samedi 28 juin 2008


تونس: عين على الجنوب المتوتر أحداث الحوض المنجمي:
مطالبات بالتنمية والابتعاد عن الحلول الأمنية لاضطرابات الفقر والبطالة

تونس - المنجي السعيداني

لم تعرف منطقة الحوض المنجمي الواقعة في الجنوب الغربي التونسي (حوالي 500 كلم عن العاصمة) الهدوء منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، فقد شهدت اضطرابات أفرزت قتلى وجرحى.. كما شهدت عمليات اختطاف، طالت احد مسؤولي الامن.. لكن حظها من التسليط الاعلامي لم يكن كبيرا، لبعد المنطقة عن مركز البلاد.

وتشهد منطقة الرديف بولاية قفصة، بالخصوص، حالة توتر بين السلطات المحلية والشبان العاطلين عن العمل من الذين لم يتمكنوا من اجتياز اختبار أجرته شركة مناجم حكومية تقوم بانتاج مادة الفوسفات التي تستخدم في الاسمدة الفلاحية، لاختيار موظفين، واتهم الأهالي الشركة بالمحاباة والمحسوبية في اختيار الفائزين و«أن الاختبار كان وهميا» وهو ما نفته المؤسسة في حينه. وتكرر العنف في المدينة المنجمية الواقعة في أقصى الجنوب التونسي في شكل مواجهات عنيفة بين الأهالي ورجال الشرطة. وعاد الوضع الى السكون لكنه سكون حذر يعود للعلاقة الهادئة التي تربط السكان بالجيش الذي حافظ على صورة أكثر اتزانا في مخيلة المواطنين.وهذه ليست المرة الأولى التي تستدعي تدخل قوات الأمن لفض بعض الاضطرابات الاجتماعية، فقد حدث ذلك في الانتفاضة النقابية في 26 يناير 1978، وفي انتفاضة الخبز كما يسميها التونسيون نهاية سنة 1983 وبداية سنة 1984، والأحداث التي عرفتها مدينة قفصة سنة 1908. وإذا كانت السلطات التونسية قد غضت الطرف عن الاضطرابات التي وقعت في المنطقة خلال الأشهر الخمسة الماضية، الا ان الإضطرابات التي شهدتها مدينة الرديف خلال الشهر الجاري كسرت الحواجز الامنية وفتح عيون وسائل الاعلام، ما اضطر السلطة لإصدار أول توضيح رسمي عما يحدث بالمنطقة، يوم 7 يونيو (حزيران). ووصفت الحكومة الاضطرابات بانها «أحداث شغب من قبل بعض الأفراد في منطقة الرديف.. كانت محل متابعة من قبل السلطات الأمنية للتصدي لكل التجاوزات المحتملة». واتهمت السلطات عناصر لم تسمها بصنع زجاجات حارقة لاستعمالها في «أعمال تخريبية» ما استوجب تدخل رجال الأمن «الذين تعرضوا إلى الرمي بعدد من تلك الزجاجات».

وعقد وزير العدل التونسي ندوة صحافية خلال اليوم نفسه ليؤكد انه لا يخلو بلد في العالم من أحداث شغب، لكنها في تونس تعتبر استثنائية جدا. وأشار إلى أنه «تم منذ سنة 1968 سن قانون ينظم التعامل مع التظاهرات وأحداث الشغب في الطريق العام، فإذا كانت التظاهرات سلمية فانه لا يتم تدخل الأمن إلا للحفاظ على الممتلكات العامة وتفادي العنف».وأكد الوزير أن «أحداث الحوض المنجمي لم تعالج أمنيا إلا عندما تم المساس بالأمن العام»، مبرزا أن معالجة المسألة تمت من عدد من الجوانب قبل وقوع الأحداث الأخيرة اجتماعيا وتنمويا واقتصاديا».ويرى الأزهر العكرمي، المحامي، ضرورة وضع خطة طريق لحل مشكلة الحوض المنجمي، وقال ان أسباب الأزمة متداخلة ويمكن تلخيصها في سببن أساسيين: الأول مباشر، وهو الاحباط الذي تولد من جراء عملية اختيار الموظفين لشركة «الفوسفات» العامة التي تعتبر المشغل الأساسي في المنطقة. أما السبب غير المباشر كما يرى العكرمي فهو مرتبط على وجه الخصوص بخلو المنطقة من أي مشاريع تنموية، وتراكم المشاكل بالمنطقة والمتمثلة أساسا في الفقر والبطالة. وحسب العكرمي فإن نسبة البطالة في المنطقة ما بين 27 و32 بالمائة مقابل 14 بالمائة كمعدل وطني رسمي تقدمه السلطات التونسية. ونسبة البطالة متفاوتة بين معتمديات الحوض المنجمي (المعتمدية: وحدة ترابية مكونة للولاية أو المحافظة وغالبا ما تتكون الولاية من مجموعة من المعتمديات) المكونة للحوض المنجمي (الرديف ـ المظيلة ـ المتلوي وأم العرائس).ويرى العكرمي أن الحل الأساسي لهذا المشكل يتمثل في ضرورة اقامة مشاريع استثمارية حكومية في المنطقة يمكن ان تؤدي الى خلق وظائف جديدة، في ظل غياب الاستثمارات الخاصة التي لا تتحمس للاستثمار في منطقة بعيدة عن البحر. ونفى العكرمي أن تكون المشكلة ذات جذور قبلية، كما يروج البعض.
ويرى سفيان الشورابي، الصحافي بجريدة «الطريق الجديد» الناطقة باسم حركة التجديد ـ الحزب المعارض، أن «اللجوء إلى الرصاص لحل قضية اجتماعية شائكة مثل قضية الحوض المنجمي تعد خطا أحمر لا يجب تخطيه، إلا عند استنفاد كل السبل السلمية الأخرى»، ويضيف «كان بالإمكان التعاطي مع مطالب الأهالي بطريقة مغايرة وبفتح قنوات الحوار مع المتظاهرين وتأطير التحركات الاجتماعية حتى لا تمتد إلى مناطق أخرى». وحول الحلول المنتظرة لهذه المشكلة الاجتماعية التي تجاوزت الآن حدود الخمسة أشهر، يقول سفيان «يجب الإسراع في طرح مقترحات للحل والنظر فيها بصورة عاجلة». ويعتبر سفيان أن أي طرف ليست له «عصا سحرية لتجاوز الإشكال» ولكن من حق الحوض المنجمي «أن يحصل على حقه في التنمية باعتباره أكثر المناطق المنتجة اقتصاديا في تونس، وعلى الدولة أن تتكفل بالمشاريع التنموية في غياب رجال الأعمال والمستثمرين الراغبين في التوجه إلى المنطقة المضطربة»

وكان الرئيس زين العابدين بن علي قد قرر عزل رئيس شركة الفوسفات في 9 يونيو الجاري بعد أن عزل في فترة سابقة محافظ قفصة على خلفية تلك التوترات، وهو ما قد يخفف من حدة التوتر التي تعرفها المنطقة. وتشهد مدينة الرديف وجارتها أم العرائس حالة من التوتر بسبب تردي الأوضاع المعيشية وتفاقم البطالة وخاصة في صفوف حاملي الشهادات الجامعية.وكانت كافة مكونات المجتمع التونسي، من نقابات وأحزاب وجمعيات، بما في ذلك من عرفوا بموالاتهم للنظام، قد رفضت الطريقة التي تعاملت بها الشرطة مع المحتجين ووصفوها بالعنيفة وغير المسؤولة. وأصدر الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة للشغيلة في تونس، بيانا عبر فيه عن قلقه من أعمال العنف التي شهدتها المناطق المنجمية بمحافظة قفصة.

البيان أشار إلى ضرورة تساوي الفرص أمام العاطلين وأن حل النزاعات الاجتماعية يجب أن يتم بدون اللجوء إلى العنف وعبر الحوار وبمشاركة جميع الأطراف.بدورها دعت الهيئة الوطنية للمحامين «إلى الانكباب على حل مشاكل شباب الجهة بتوخي أسلوب الحوار وإشراك كافة طاقات البلاد دون أي تمييز وفتح تحقيق لتحديد المسؤوليات عن الأحداث مع توفير الضمانات القانونية للموقوفين على اثر الأحداث وخاصة بتمكينهم من ظروف المحاكمة». أما حزب الخضر للتقدم، المحسوب على السلطة، فقد ناشد رئيس الدولة بعناية أكبر بجهة الحوض المنجمي بقفصة «وذلك بسنّ إجراءات إضافية تعاضد ما هو مبرمج للجهة في إطار برامج التنمية الجهوية وفي إطار ميزانية الدولة والمخطط التنموي الحالي».

وتعيش منطقة الحوض المنجمي منذ عقود طويلة على استخراج مادة الفوسفات التي تم اكتشافها منذ سنة 1911 وتطورت الكميات المستخرجة ليصبح الاستخراج خلال السنوات الأخيرة سطحيا بعد أن تواصل لمدة عقود من باطن الأرض، وهو ما خلق ما يشبه الأسطورة بالنسبة للعاملين في مناجم الفوسفات وأطلقت عليهم تسمية «فئران الداموس» للدلالة على صعوبة استخراج تلك المادة من باطن الأرض. وتنتج شركة الفوسفات سنويا حوالي ثمانية ملايين طن. وتونس تحتل بذلك المرتبة الثانية عالميا مباشرة بعد المغرب.

(المصدر: صحيفة "الشرق الأوسط" (يومية – لندن) الصادرة يوم 27 جوان 2008)

http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=45&issueno=10804&article=476472&search=تونس&state=true