jeudi 12 juin 2008



هنا تقرؤون مقالا يقول ما ترسبّ في الحناجر ولم يستطع الانفلات من الصمت شكرا لصاحبه للسماح لي بنشره .
قتيل اوّل يسقط في السادس من ماى في منطقة الحوض المنجمي (هشام العلايمي) وهو يخطو سنته السادسة والعشرين ببطىء وبخوف كبير من مستقبل غامض ويوقف الزغاريد حول حفلة الحوار مع الشباب.
فالشباب الذي يطالب اليوم بقوته وبحقّه في الشغل يصاب بصعقة كهربائيّة بقوّة عشرة آلاف فولت ، أمّا الشباب الذي يطالب بحقّه في الحريّات السياسيّة فانّه قد يصاب بسلاح نووي.

هذه ملامح البداية الحقيقيّة لمرحلة لن تكون هيّنة على الجميع ، بعد أن تحوّلت حماية اللصوص الكبار واجبا "وطنيّا" مقدّسا وبعد أن أصبحنا من مصافي الدول التي قدّمت لها عشرات الدول شهادات ...أصبحنا بعد شهادات الشكر ننتظر شهادات الوفاة في الشوارع وفي السجون وفي المصانع وفي الملاعب الرياضيّة .
هؤلاء أفقدهم الجوع الذي احتلّ ديارهم السكينة والهدوء ، فهجروها الى الشوارع مطالبين بحقّهم في خريطة التنمية الشاملة التي ينظرون اليها عبر شاشات التلفاز ، ومعدّلات النموّ التي تتحدّث عنها الاحصائيات. وهم أنفسهم الذين تسجّل أسمائهم في القوائم الانتخابيّة ليجلس باسمهم وبأصواتهم ممثّلوهم في البرلمان واللجنة المركزّية للحزب الحاكم سنوات طويلة أمام الخزينة العامّة للبلاد يحلبونها بعنوان وبدون عنوان .
هؤلاء اللذين لا تعترف الحكومة بوجودهم أصلا ، لانّه من العيب بالنسبة اليها أن تشوّه وجوههم صورة تونس في الخارج ، ومن غير اللاّئق أن تظهر سماتهم البالية على صفحات الجرائد والمجلاّت . فهم مجرّد شاذّة واستثناء لا يتجاوز عددهم أصابع اليد . انّهم فقط يغطّون خريطة البلاد التونسيّة لا أكثر ولا أقلّ وهم مبرمجون في المخططّ الألف للتنمية....
تمضي الحكومة التونسيّة قدما في الحديث عن التعدديّة السياسيّة وعن الديمقراطيّة وعن حريّة التعبير ويتجوّل ممثلوها من مكان الى آخر للتعريف بالبرامج الرائدة والقرارات الجبّارة التي تمّ اتخاذها وفي حقائبهم الكثيرة ما يجعل البلاد عالما سحريا من النجاحات الاقتصاديّة والسياسية والاجتماعيّة .ويتولى هؤلاء بناء دولة الرفاه الورقيّة قبيل كلّ انتخابات لتسقط بعيدها مباشرة .
من العيب حقيقة أن تصبح معالجة وضع سكّان الحوض المنجمي أشبه بمنتدى للحديث عن طرق مساعدة القبائل الكينيّة على الوصول الى مائدة التفاوض .أو أن يتحوّل ملفّ اختلاس الأموال العموميّة أو افسادها شأنا ثانويا قد يكون من مشمولات أجهزة الانتربول ولا علاقة لنا به .أو أن يصبح مقتل شاب تونسي في ظروف احتجاجيّة أشبه بحوادث الطرقات .
كما أنّه من العيب أيضا أن ننكر على هذه البلاد في الآن نفسه أنّها أحدثت بنية أساسيّة جديرة بالاحترام وأنّها تسعى الى التخفيف من حدّة التوتّر والفوضى في الملاعب الرياضيّة ، وانّها تسعى الى معالجة قضيّة عقوبة الاعدام بطرق منفتحة ، وأنّها تساعد على خلق مناخ سلمي لتشجيع الاستثمار وأنّها أنجبت كوادر حقيقيّة في مجالات العلوم والمعرفة وأنّها تسعى الى تحقيق مؤشرات تنمية قياسيّة بالمقارنة مع بعض البلدان وأنّها..........الخ الخ
نعرف جيّدا أنّ من لا يمارس لا يخطىء ولكن من يمعن في الخطأ لا يمكنه أن يكون مسؤولا بالمعنى الحقيقي للمسؤوليّة .أليس من الضروري أن يتمّ التعامل مع النّاس باعتبارهم مواطنين شركاء حقيقيين في القرار وفي الممارسة؟
ألم يحن الوقت بعد للايمان بقدرات أبناء هذا الشعب على ممارسة حريّة الاختيار والتعبير والتفكير؟
ألم تجرّب السلطة السياسيّة في تونس نتائج الانفراد بالرأى وتغييب المواطنين وترقيمهم كحال أهل الكهف ؟
أضنّ أنّ الوقت حان لنقاش جدّي حول ما تعانيه البلاد وأضنّ أنّه من الضروري تجريب الحقيقة ربّما تكون أنجع من لعبة الغميضة مع الشعب والتي لم تنتج الاّ القتلى تحت عناوين مختلفة .
سيناريوهات الاصلاح لا تساغ في الغرف المقفلة ولا تبدعها الرؤوس المتحجّرة.انّها تأتى استجابة لواقعها الحيّ الذي يحتمل كلّ التناقضات ولكنّه لا يحتمل الالغاء والنفي والتأجيل.
نحتاج الى تجريب الوضوح والصراحة والشفافيّة ونصرّ على قول كلمتنا ولا نمضى لأن هذه البلاد لنا جميعا وتسعنا جميعا وتستحقّ منّا المزيد من التضحية لكي نكون جديرين بها.
تستحقّ منا ايقاف هذا النزيف الفوضوي وهجر أمراضنا ونقد ذواتنا والاصغاء الحقيقي والايجابي الى بعضنا البعض.
لهذا علينا أن نقلع عن التعامل مع بلادنا وكأننّا مجرّد ضيوف عليها . نحتاج بكلّ صدق الى أن نستمع الى بعضنا بعيدا عن ضوضاء المزايدات الواهية ونتمنى أن نمتلك الشجاعة لنضع كلّ الأقنعة جانبا وننخرط في بناء ما هدّمته سنوات الصمم.
المصدر / جريدة "مواطنون" العدد 62 الاربعاء 14 ماى 2008